((بلاغ)) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ((بلاغ))

السبت، مارس 09، 2013

الدين : الإسلام .. وليس المذهب!!

الدين : الإسلام .. وليس المذهب!!
(( الحلقة الأولى ))

بين الإسلام وروحه العبقة بالمحبّة الإنسانيّة، وواقع "المسلمين" المستعار من العصور المظلمة، بونٌ شاسع، بل لا حقيقة للصلة بينهما، فالمحبّة التي تتسع لكل النّاس -أخواناً في الدين أو نظراء في الخلق- لا تتصل مع واقع "المسلمين" بفتيل..
فأمام العين الباصرة مشاهد أطفالنا تمزّقهم انفجارات السيّارات المفخّخة في مدارسهم وملاعبهم وأزقّة الأحياء، وأسواقنا التي يفترش أرضها الكادّون لكرامتهم تتّشح بطبقة سوداء معجونة بالدماء! هذا ما خلّفه "مجاهد" بعمليّته "الاستشهاديّة" ليلتحق بالجنّة! فالتفجير بالنفس هو أقرب طريق للتخلّص من صعوبات الدنيا وضنك العيش في بلده والالتحاق بالجنّة حيث الراحة والرفاهية والحور العين!! أمّا مساجدنا التي يرتفع من مآذنها الأذان بالشهادتين لأجل الصلاة، فهي الأخرى لم تسلم من "جهاد المجاهدين" تفجيراً وتنكيلاً!!
فمن أين جاءنا هذا الواقع الأسود، ونحن نرتدي جميعاً حلّة الإسلام البيضاء؟! أو ندّعي ذلك..
كلُّ هذه المشاهد التي تقرّح الفؤاد هي ثمار بذرة الطائفيّة الخبيثة، وهي ثمار غياب وعي المسلمين لروح الإسلام الرحبة، وثمار حشو القلوب بالحقد والكراهية، وحشو العقول بوسواس التكفير وإباحة دم المسلم..
إنّ ظاهرة تمتد على رقعة جغرافيّة واسعة، لتحصد الأبرياء بشعار الإسلام والجهاد، لظاهرة خطيرة على الرسالة الإسلاميّة، ولأنّ المشكلة أساساً تنطلق من نظرة كل طائفة إلى الأخرى نظرة الرفض المطلق، فإنّ بحث هذه الأزمة الخطيرة التي مُنِي بها الدين، يتطلّب منّا نظرة دينيّة مشتركة، إسلاميّة شاملة جامعة لكل الطوائف والمذاهب تحت السقف الذي يجمعنا، وعند المشتركات العميقة التي تربطنا، فالحرب الطائفيّة إنّما نشأت على خلفيّة استفحال حالة القطيعة بين المذاهب الإسلاميّة خصوصاً تلك القطيعة المفروضة على "التشيّع" عبر الزمن باعتباره التيّار المعارض والرافض للحكومات التي تولت أمور المسلمين بعد وفاة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وممّا يركّز حالة القطيعة إلى يومنا هذا أمور عدّة أهمّها:
أولاً: الأزمة التأريخيّة.
ثانياً: الصناعة المذهبيّة.
ثالثاً: التصعيد المذهبي.
الأزمة التأريخيّة:
ونقصد بها مجمل الحوادث التأريخيّة التي بلورت شخصيّة المذهب وطوّرت تعريفه في الساحة الإسلاميّة، وهنا يمكننا تشخيص عقدتين أساسيّتين في هذه الأزمة؛ الأولى تخصّ التشيّع وتمثّل له خزينه الفكري والعاطفي والحركي، وهي المظالم التأريخيّة التي تعرّض لها أهل بيت النبي رغم ثقلهم الإسلامي الكبير في الأمّة ومكانتهم الأساسيّة في الرسالة منذ بزوغ فجرها، ولعلّ أكبر مظالم التأريخ الإسلامي التي أسّست للحضور السياسي للتشيع تقع في الانحراف الخطير الذي جرى بعد وفاة الرسول الأعظم، بإقصاء أهل بيت النبي عن قيادة أمّته المرحومة، والتي حرمت أعظم قيادة تخلف نبيّها متمثّلة بأخيه ووصيّه إمام المتقين علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، لقد شكـّل هذا الحدث الكبير الهويّة الأساس للتشيّع، ولكنّ المظالم على قياداته لم تقف عند هذا الحد، فتوالت المظالم على أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم يختزنون الآلام في صدورهم، ولم تكن واقعة الطف العظيمة آخر المطاف.
وهكذا فإنّ المظالم التأريخيّة نسجت شخصيّة التشيّع بخيوط الألم والحزن والمصاب، وفي قبال هذه العقدة، تقع الأخرى، وهي ما يمكن أن نطلق عليه عقدة المقدّسات التأريخيّة والتي ظهرت في مذهب الجماعة كحاجة أساسيّة في حماية التركيبة التأريخيّة للخلفاء والحكّام، فنتجت للواقع الإسلامي نظريّة "عدالة الصحابة" والتي تعطي القدسيّة لكل من صحب النبي (صلّى الله عليه وآله) بغض النظر عن سيرته العمليّة الخاصّة.
الصناعة المذهبيّة:
إن الأزمة التأريخيّة بعقدتيها مضافة إلى حركة الواقع السياسي خلال الألف وأربعمائة سنة قد أنتجت صياغتين مذهبيّتين للإسلام، تستند كلٌّ منها إلى خزين فكري وعقائدي "بعيداً عن النقاش فيه" وتستند إلى خزين حراري كبير هو الأزمة التأريخيّة، ولسنا هنا في معرض البحث عن حقانيّة هذه الصناعة أو تلك، ولكنّنا نحاول فهم جذورهما لنستطيع فهم واقعنا المتداعي بين الصناعتين.
إنّنا نعتقد أنّ هذه الصناعات بحدِّ ذاتها - لو توقّفت عن هذا الحد - لم تكن لتـُنـْتـِج هذا الواقع الدامي، لأنّها نتيجة طبيعيّة للاختلاف في قراءة التأريخ وفهمه، فضلاً عن قراءة الدين ونصوصه، وهي إن ارتكزت إلى مظالم وقدسيّات تأريخيّة، فهي لا تعطي لأحد الحق بتحميل أبناء هذا العصر من المسلمين جرائم التأريخ أو حملهم بالقوّة للإيمان بقدسيّات تأريخيّة لا تحتمل القداسة بنظرهم.
التصعيد المذهبي:
وبعد أن استغرق المسلمون في صناعاتهم المذهبيّة بحكم حالة الصراع التأريخيّة بين الحكومات والمعارضة، غرقوا في مستنقع الخلافات، تاركين محيط الإسلام العذب الذي يجمعهم، حتى حلّ المذهب محلّ الدين من قلوب النّاس، وصار المسلمون يتحدّثون بأسماء مذاهبهم أكثر من تحدّثهم باسم إسلامهم، وصاروا يردّدون أسماء مذاهبهم حتى نسخ اسم الإسلام بالمذهب، فكانت أدوات التصعيد المذهبي ابتداءً بالتربية الأسريّة المذهبيّة إلى الخطابات المنبريّة الطائفيّة إلى انتشار تهمة "التكفير" على المذهب، الوسط الفاسد لنمو ظاهرة التنظيمات "الجهاديّة" ضد أبناء الإسلام الدين الواحد.

دعوة:
وفي الوقت الذي نعلم أن تخطّي مظالم التأريخ لدى المسلمين لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال، نعلم أيضا بأنّ قدسيّات التأريخ قد ارتكزت في أعماق المسلمين، ولذلك لا بُد من صرف الجهود لاستيعاب حالة الاختلاف باحترام تلك المظالم، وعدم المساس بتلك القدسيات والعودة للقاء المشترك في رحاب الدين الواحد.
ما زالت تلك الكلمات تتردّدُ في خاطري وترسم في مهجتي طيفاً من الآمال وتخطُّ على شفتيّ بسمة، فرغم استعار واقعنا الإسلامي بلهيب حرب طائفيّة واسعة النطاق، تمرُّ كلمات الإمام حسن البنّا في ذاكرتي كساحبة صيف لتلطّف أجواء الروح بطلاوتها..
"نرى أنّ الخلاف لا يكون أبداً حائلاً دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وأن يشملنا وإيّاهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده، وأوسع مشتملاته، ألسنا مسلمين وهم كذلك؟! ألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبّون ذلك؟ ألسنا مطالبين بأن نحب لأخواننا ما نحب لأنفسنا؟ ففيم الخلاف إذن؟ ولماذا لا يكون رأينا مجالاً للنظر عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا لا نتفاهم في جو الصفاء والحب.." كتاب رسائل الإمام حسن البنّا؛ صفحة 11

0 لمسات طيّبـة:

إرسال تعليق