((بلاغ)) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ((بلاغ))

السبت، أغسطس 20، 2011

أمّــة بـــدر الكبـرى

كلمة أُلقيتها في الأمسية الرمضانية السنويّة التي تقيمها مديريّة التربية والتعليم في مدينتنا بحضور عدد من الشخصيات الدبلوماسيّة والإدارية والأكاديمية
15-شهر رمضان-1431 هـ


أمّــة بـــدر الكبـرى




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لحمده, وجعلنا من أهله, لنكون لإحسانه من الشاكرين, وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين.
والحمد لله الذي حبانا بدينه, واختصّنا بملّته, وسبّلنا في سبل إحسانه, لنسلكها بمنّه إلى رضوانه, حمدا يتقبّلُه منّا, ويرضى به عنّا.
والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره, شهر رمضان, شهر الصيام, وشهر الإسلام, وشهر الطهور, وشهر التمحيص, وشهر الفرقان...
اللّهم صلِّ على خير خلقك وخاتم رسلك، فخر الكائنات وسيّد الموجودات، حبيب قلوبنا وطبيب نفوسنا وشفيع ذنوبنا، المُسمّى في السماء أحمد، وفي الأرض أبي القاسم محمّد .... اللّهم وصلِّ على خِيرة خلقك من بعده، أئمة الهدى ومصابيح الدجى، آل المصطفى وسلّم تسليماً كثيراً..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

بالأمس .. هنا .. وقفنا لنستذكر معاً ولادة إمام من أئمّة المسلمين السّبط الزكي الحسن ابن علي (عليهما السلام)، ولادة قيادة محمّديّة نجيبة للأمّة الإسلاميّة، وتسائلنا: في ولادات الأئمة متى تحين ولادة الأمّة؟
وبالأمس .. هنا .. بعد ان قرّرنا ولادة الأمّة، وضعنا الخيارات أمامها، وتسائلنا: هل تختار مشروع علي (عليه السلام) أم تختار الدنيا وزخرفها التي مثّلتها "قطام" ؟
واليوم .. هنا .. في رمضان المحطّات الكُبرى، نلتقي في السابع عشر منه، بحادثة عظيمة أرّختْ لمرحلة جديدة من الصراع من أجل المشروع والرسالة..


نلتقي ببدر العزّة، بدر الكرامة، بدر التضحية...
معركة بدرٍ التي مثّلت الخطوة الأبرز في سبيل الدفاع عن كيان الدولة الفتيّة..
بدر !! وما أدراك ما بدر ؟!!
حيث كان الأمرُ بين خيارين: خَيَارُ ذات الشوكة، وخَيَارُ الدِّعَة والراحة الذي يوفـّر المكاسب السهلة والمضمونة، ولكنّ الأمّة في ذلك الظرف كانت بحاجة ماسّة لانتصار من الوزن الثقيل، يتكبّدُ فيه أفراد الأمّة المشقّة الشديدة، والتحدّي الكبير، ليرجعوا بالنصر الكبير
{ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ }
في تلك المرحلة من عمر الرسالة، ودولة محمّد رسول الله ما زالت فتيّة، يقع المسلمون بين خيارين...
وكما هي الحال دائماً، نسمع حسيس الضعف، والأصوات المرتجفة، والإرادات الخائرة، وهي تعبّر عن نفسها على فم المتقاعسين: " إنّها قريــــش التي ما ذلّت منذ عزّتْ " .. ليجبّنوا الواقع من خلال جبنهم وليقولوا: سلّموا الزمام للقوى الكبرى، لتصمّم واقعكم ووجودكم وتقنّن ذلك الوجود بما يضمن مصالحها وبما يجنّبنا المخاطرات والمغامرات...
وفي نفس الوقت نسمع ذلك الصوت الإيماني القوي والثابت، الذي يؤمن بمشروعه للدولة القويّة، الثابتة التي تكتسب قوّتها من خلال فرض معادلاتها هي، وهكذا يقف المقداد ابن عمرو مخاطباً قيادة المشروع: يا رسول الله امض لأمر الله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى "اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون" .. ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغِماد لسرنا معك...
ويقف سعد ابن معاذ لسان الأنصار قائلاً: كأنّك يا رسول الله تريدنا؟ .. يا رسول الله إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك وشهدنا أنّ كل ما جئت به حق، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي الله فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي مِنّا رجل، وما نكره أن يلقانا عدوّنا غداً... إنّا لصُبّرٌ عن الحرب، صدق عند اللقاء، لعلّ الله يريك منّا ما تقرّ به عينك...
ليكون نداء النبي القائد: سيروا على بركة الله، فإنّ الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم..
وهكذا فإنّ 313 رجلاً للإسلام، ثبتوا فـ ثبّتوا ثقافة التضحية في سبيل المشروع وفي خط الدفاع عن دولتهم الفتيّة وفي خط بناء دولتهم القويّة..
313 رجلاً لم يأبهوا للدنيا وما فيها
313 رجلاً باعوا أرواحهم لله، وحملوا أنفسهم قرابين إلى مذبح العشق الإلهي، ليكون الله مولاهم وهو نعم المولى ونعم النصير
ورسول الله يرغب إلى ربّه وهو يقاتل: " اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم " ...
ليكون الانتصار على يد هؤلاء القلّة المستضعفة هو الانتصار الكبير الذي يؤسّس للدولة القويّة والثابتة..



في قبال هذا النموذج الرائع في الإقدام والبذل من أجل العقيدة والمبدأ.. نقرأ في التأريخ حادثة مثّلت الانكسار لذلك الواقع الإسلامي الفتي، حادثة لم يفصلها عن الانتصار الأوّل فاصل زمني كبير، بل كانت صورة الانتصار والغنائم تُغري بعض أفراد الأمّة فأذهلتهم عن عن تتبّع مقدّمات النصر، وابتُلِيَ المسلمون هنالك بمرضين أنهكا الروح المتوثّبة وحوّلوا مشاريع الاستشهاد والتضحية إلى مشاريع حسابات ومكافئات وغنائم... مرضين أوّلهما: الخلاف والاختلاف..
{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) } سورة آل عمران
فكان من نتائج التنازع والاختلاف انسلاخ ثلث جيش الإسلام بجهود تجبينيّة قام بها المنافقون بقيادة ابن أُبَيْ، ذلك أنّ الضعف والخوف قد سكن صدور البعض، وحرّكه آخرون ليُشيعوا حالة الجُبن في صفوف المغفـّلين، حتى خالفوا القيادة الإسلاميّة العُليا في أمر القتال... فوقف القائد يخاطب البقيّة الثابتة: " إنّكم اليوم بمنزل أجرٍ وذخر لمن ذكر الذي عليه، ثم وطّن نفسه على الصبر واليقين والجد والنشاط فإنّ جهاد العدو شديد كريه، قليلٌ من يصبر عليه، إلاّ من عزم الله رشده ... فإنّي حريصٌ على رشدكم فإنّ الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف ممّا لا يحب الله، ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر.."

فكان للمرض الأوّل نصيبه من نفوس البعض، ولكنّه لم يقف في وجه الانتصار، فلمّا التقى الجمعان للقتال لم يمضِ الوقت الطويل حتّى ولّت قوى الشرك الأدبار، وبدا انتصار المسلمين واضحاً، حتى ظهرت أعراض المرض الثاني في صفوف تلك النخبة من الرماة الذي كان قد غرسهم القائد على ربوة مُطلّة تحمي ظهور المُقاتيلن، وكان قد أوصاهم: "إذا رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكّة فلا تبرحوا من هذا المكان" ولكن المرض قد استغرق في بدن جماعة عبد الله ابن جُبير، مرض الغنائم والمكاسب واللّهث وراء المصالح الآنيّة، فلقد انحدرت الجماعة من الربوة وابن جُبير يذكّرهم مقالة رسول الله، فاستفاد المشركون من هذه الثغرة والتفـّوا ليُدخلوا المسلمين في كمّاشة كان طعمها الغنائم، وتحوّل النصر إلى هزيمة...

ما زالت محطّات التأريخ تعطينا دروساً وعِبراً للحاضر والمستقبل؛ اقطعوا الخلافات ولا تنازعو فتفشلوا، وعُفـُّوا عن المصالح الآنيّة.. كونوا رجال الإسلام..مع المستضعفين والمحرومين..لنصرة القضيّة ولرفعة الرسالة..ولبناء الدولة القويّة..

ويبقى أن نسأل،،،
في ذكرى بدر الكبرى.. هل سنفهم دروس المحطّات الكبرى لنصنع انتصار بدر من جديد، أم أنّنا سنغرق في ذهنيّة الغنائم والمكاسب؟؟
هل أمّتنا اليوم هي أمّة بدر الكبرى؟؟

تقبّل الله صيامكم وقيامكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بلاغ الحسيني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* 17 من شهر رمضان: معركة بدر الكبرى 

0 لمسات طيّبـة:

إرسال تعليق