((بلاغ)) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ((بلاغ))

الثلاثاء، أغسطس 02، 2011

الفرقة النـّاجيــة


توطئة:

في أيّامٍ مضت بُعَيدَ مطالعتي لكتاب ( التعدّديّة الدينيّة ) للمفكّر الإسلامي الفذ الدكتور حيدر حب الله، وجدتُني فيها أمام صياغة منهجيّة لروحيّة الانفتاح الفكري التي عِشتها منذ طلائعيّة مطالعتي في الفكر الإسلامي، توقّفتُ بعدها عند حديث مشهور رَوَتْهُ مختلف مدارس النقل والرواية الإسلاميّة، وهو وإن اختلف متناً في إصداراته المختلفة المنتشرة في كتب الحديث إلاّ أنّه يُشير صراحة إلى حقيقة افتراق أمّةٍ الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) إلى فِرَقٍ كثيرة، تفوز منها أو تنجو فرقة واحدة، وهو حديثٌ أُطلق عليه اسم (حديث الفرقة الناجية) فلقد جاء عن أنس بن مالك، بإخراج الإمام أحمد بن حنبل في مُسنده، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قوله: (إن بني إسرائيل قد افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وأنتم تفترقون على مثلها، كلها في النار إلا فرقة).
ومع أنّ الحديث قد عانى من زيادات هنا وهنالك واضحة الزّج لتخصيص فئة باسمها دون الأُخريات، فإنّني لستُ مسؤولاً عن تحقيقه وتدقيقه، بل أنوي البحث في مشهور لفظه وإدلالاته والتي تحكي واقع الاختلاف العام والنجاة لفئة خاصّة....

استفهامات:

تستغرب وأنتَ تقرأ في محيط هذا الحديث حجم الاهتمام الكبير من روّاد دراسة الروايات ودرايتها، إجتهادهم في شرحه وتوجيهه بالاتجاه الذي يُبرز فرقتهم على أنّها الناجية لا غير، اللّطيف أنّ هذه النظرة ليست خاصّة بفئة دون أخرى، بل تجد كلّ فئة من النّاس يتنازعون الحديث كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى...
وهنا أتسائل هل بادرت هذه الجماعات إلى قراءة الحديث إنصافاً من خلال أدوات التفتيش المعروفة لدى أهل الرواية والدراية، أم أنّها انطلقت من أنانيّتها المذهبيّة لحصر النجاة بها وللآخرين الهلاك في الدّنيا والآخرة...
وغير الاستغراب من هذه الطريقة في التعاطي مع الحديث، هنالك أسئلة عِدّة تستفزّني لأبديها عن الحديث وعن المتناولين له شرحاً وتفصيلاً وتوجيهاً في إسهاب وإطناب غريبين، ومن هذه الأسئلة ما شاركني فيها كُتّابٌ عِدّة أشكر التفاتهم المُنصف لها؛ أهمّها ما يتناول مفهوم الأمّة المقصودة (هل هي أمّة الدعوة أم أمّة الإجابة؟) بمعنى آخر (أمّة البشر المدعوّين للإسلام أم أمّة الإسلام المستجيبين له؟) فالإجابة عن هذا السؤال قد تغنينا عن الجدل الحاصل وتُنهي الخلاف، ثم هل أنّ الافتراق المقصود هو الافتراق على طريقة المُسمّيات المذهبيّة الموجودة في يوم النّاس هذا؟ أم أنّه افتراق محوره شيءٌ آخر غير مدارس الفقه المختلفة؟؟
ولن أستفهم هنا عن هذا التجاذب والتلاطم في مفردات الحديث من حيث المتن، ولكن يجدر الإشارة إلى ضرورة تنقية تراثنا الإسلامي من الأيدي الرماديّة فضلاً عن السوداء منها...

بيان:

إنّ فكرة التعدّديّة الدينيّة تعطي الإنسان حيّزاً سمحاً وواسعاً لقبول الآخر، ولكنّها غير بعيدة عن نقاط الضعف، وهذا ما جعلني أميل إليها ميلاً ولا أنتمي إلى منهجها الفكري من ناحية الإنتماء الفكري..
نظرة التعدّديّة هي النظرة الأجدر بتسليطها على عقدٍ خلافيّة مثل هذه تتصارع فيها النفوس قبل الأفكار، ومن خلال المنهجيّة الرحبة للتعدّديّة، يمكننا قراءة الحديث بطريقة جديدة قد كتبَ فيه عددٌ من الكُتّاب الإسلاميّين المنصفين، وأروع ما قد كُتبَ في هذا المجال هو كتاب ( الفرقة الناجية هي فرقة المتّقين ) للشيخ عبد اللّطيف آل محمود، وهو بحثٌ يستند إلى الفرضيّة الثانية التي أوجدناها من خلال السؤال المتصدّر ( هل أنّ الافتراق المقصود هو الافتراق على طريقة المُسمّيات المذهبيّة الموجودة في يوم النّاس هذا؟ أم أنّه افتراق محوره شيءٌ آخر غير مدارس الفقه المختلفة؟؟ )
وفي هذا الكتاب يتحدّث الشيخ عن عنوان (التقوى) كمحدّدٍ وحيد لمسألة التفاضل بين الفرق، مُبيّناً بالاستدلالات القرآنيّة الجميلة كيف أنّ عنصر التقوى هو المميّز للفرد المسلم وهو الذي يمنحه الكرامة في الدنيا والآخرة، وليس مُسمّاه المذهبي -مع أنّ الشيخ ينتمي إلى مذهب إسلامي معيّن بطبيعة الحال-...

رؤية:

تحدّث الشيخ عبد اللّطيف في كتابه عن أفراد يمتازون بعنصر (التقوى) العنوان القرآني للتمايز والتفاضل بأنّهم يمثّلون الفئة الناجية، ولكنّ الحديث يتكلّم عن فرقة في قبال فِرَق، فهل يدعونا ذلك إلى التنازل عن فكرة محور التقوى للتفاضل، أم أنّ الأجدر بنا أن نبحث أو أن ننتج فرقة من المتّقين يتنوّعون في مذاهبهم ولكنّهم يشتركون في أهمّ المميّزات الإيمانيّة، وهذا أمرٌ ينسجم مع روح الإسلام والقرآن، فالإسلام يرفض لنا أن نفضّل إنساناً على آخر على الطريقة الجاهليّة من عصبيّة القبيلة إلى عصبيّة المذهبيّة، فلا يُسمح لمسلم أن يجد الشاذ والمنحرف المُنتمي إسماً إلى مذهبه أفضل من المسلم التقي المختلف عنه فكراً من خلال مذهبه المُغاير، بل إنّ مُحدّدات الإسلام واضحة للتفاضل بين أبناءه...

خاتمة:

في خضم الصراع المذهبي القائم على أكثر من جبهة لا بُدّ من نشوء خطِ إسلامي أصيل، يعتمد المحدّدات الإسلاميّة الحقّة في مجال مُحاكمة الواقع، غير ذلك الاتجاه الذي يفرض عناصر العصبيّة الطائفيّة كموازين لتشخيص أصحاب الجنّة من أصحاب النّار!!
والأمل معقود على الفكر الشاب الذي يمتاز بالتمرّد على الموروث السلبي، ويمتاز باقتحام الأفكار الجامدة والمتخلّفة، التي قدّسها بعض الشيوخ للأسف..
لنفكّر في الرياض الرحبة للعقل، ولنجتمع على الإسلام القرآني، لا الإسلام الذي صاغته كتب شيوخ الإسلام الذين من طبيعتهم الإصابة والخطأ...

وهكذا فنحن أمام صياغة إتجاه إسلامي (ولا أقول فرقة) إتجاه واسع يضم الإسلاميّين المنصفين والملتزمين بحقيقة الدين، لا عصبيّة المذهب...

 بلاغ الحسيني
الثاني من شهر رمضان المُبارك
1432 هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُرفقات:
كتاب ( الفرقة النّاجية .. فرقة المتّقين )
للكاتب الشيخ عبد اللّطيف آل محمود

0 لمسات طيّبـة:

إرسال تعليق