((بلاغ)) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ((بلاغ))

الثلاثاء، يوليو 12، 2011

الشّاب النـّـائم


في ذاكرة الطب العدلي 

دخولٌ إلى غرفة بيضاء باردة.. وصمتٌ يلفُّ المكان، خطوات متردّدة احتوت الخوف والترقّب ورغبة في تعلم درسٍ جديد من دروس الحياة...
خطوتان والتفاتة ثم جاءت صفعة الموت قاسية، قارصة البرد كالصقيع، توقف فيها الزمن للحظات..
تأرجح رأسي بعيداً جرّاء تلك الصفعة.. امتلأت رئتاي بالهواء، ثم وجدتُ نفسي مُلقىً على كرسي قريب، هائماً في تلك الصورة..
مرّت الثواني ثقيلة وتلاشت في إثرها تلك الصورة بشكل بطيء إلى حيّز التناسي المُهمل، لملمتُ بقايا الشعور، وأنا أرتّل: (( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )).
دقائقٌ ثم عدت، رفعت رأسي هويناً ناظراً إلى جسده المسجّى، فأحسست ببرودة تلك الأطراف تلامس بدني، وجلْجلَ في صدري (( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )). لم أجرؤ على النظر إلى وجهه، واكتفيت باختلاس النظرات إلى صدره العاري.. وهنا صفعني الواقع بحقيقة ثانية.. إنّها المرّة الأولى التي أرى فيها نائماً فلا ألحظ أنفاسه تعلو وتهبط في صدره!! هي المرّة الأولى التي أواجه فيها سكوناً وجموداً من هذا النوع.. لم تكن الصفهة الثانية أقلّ أثراً من سابقتها.. خرجت من تلك الغرفة مُسرعاً وأنا أتلمّس أنفاسي واضعاً يدي على صدري خوف أن يصيبه السكون..
خرجتُ مبتعداً إلى فضاء أخضر مليء بالحياة إلى جانب ذلك المبنى الموحش.. يا لهول السكون ويا لهدوء الموت الذي اختطف أنفاس ذلك الشاب تاركاً آثاره الباردة!!
ومرّة أخرى في تلك الغرفة.. لم يكن الشاب نائماً!! بل كان أكثر من حولي يقظة في تلك الغرفة البيضاء، كانت عيناه المطبقة تجولان في عالم آخر، وكانت يداه المبسوطتان تقبضان مردود عمله، وكان جسده - الذي يتقلّب بين يدي الطبيب العدلي – يتدحرج في عالم غير عالمنا شارك هو في بناء تفاصيله..
وأنا أشهد تقلّبات ذلك الجسد يَمْنَة ويَسرة تذكّرت كيف يتقلّب الإنسان تحت عين الله وهو يتحرّك في حياته كيف يشاء... ارتجفت أركان روحي وأنا أتذكّر قول الله تعالى: ((إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ )).
وجالت بي الأفكار..
من لي إذا افترشت وسادة الموت
ومن لي إذا نمت عن الدنيا وصحوت على الآخرة
هل تؤنس وحشتي أنوار رحمة الله
أم يدعني الحبيب أُلاقي ظلمة أفعالي..وما جنته يداي؟؟!
بلاغ
6/12/2010


4 لمسات طيّبـة:

غير معروف يقول...

أن الموت أمر لابد منه"كل نفس ذائقةالموت"
اللهم لا تتوفني قبل ان ترضى علًي ,اللهم خفف علًي سكرات الموت,اللهم أرحمني من وحشة القبر ومن لسعات الدود وأرحمني وأنت خير الراحمين .صلً اللهم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين

غير معرف يقول...

ليس لي من عملي الا حبك هذا ما سالاقيك به فتقبله مني يا كريم

بـلاغ الحسـيني يقول...

أشكر حضوركم في هذه المساحة التي تسعد بكم حقاً :)

غير معرف يقول...

ونشكر لك فرش هذا المساحة بطيب ذكر الموت اخي الكريم و وفقكم الباري لمرضاته

إرسال تعليق