((بلاغ)) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ((بلاغ))

السبت، نوفمبر 13، 2010

كفى انبهــاراً !!


البشريّة؛ العنوان الذي حكم الأرض، فأصلح هنا وأفسد هنا وهنا وهنا، إنسان يقتل إنسان، وأخٌ يستعبد أخاه، وآخر يستغلُّ بني جنسه ليحقق لنفسه غاياتها وإن تطلّب ذلك سحق آلاف الجماجم...

العلم أنتج عقاراً لشفاء المرضى المستضعفين، وأنتج سمّاً ليُنهي به إنسانٌ حياة أخيه الإنسان، العلم أنتج مكائن لتبني الدور للمحرومين، وأنتج آلة حرب عتيدة لتدمير بيوت الآمنين...
ليس العلم هو الجاني بالتأكيد، إنها اليـد التي امتلكت القدرة والعلم وأدوات الفعل إنّه الإنسـان نفسه، هو الذي يغرس الورد، وهو الذي يقتلع البسمة من شفتي طفل صغير، هو الإنسان عندما يصبح ملاكاً وعندما يصبح وحشاً كاسراً...

في عنوان البشريّة الكل أخوة، الأبيض والأسود والأحمر، الشرق والغرب والشمال والجنوب..أخوة، وبمقدار الشعور بالأخوة يقترب الوصف من الإنسان، وبمقدار ما يبتعد يقترب الموصوف من الوحوش الكاسرة...
لكل إنسانٍ عاش ليكون إنساناً، لمن أسّس العلوم من العرب، ولمن استفاد في توضيفها من الغرب، ولمن طوّرها في خدمة الإنسانيّة في كل بقعة من العالم ألف تحيّة، لجعفر ابن محمد وتلميذه جابر ابن حيّان سلامٌ أيها الإنسان، ولمن استفاد مما أسّساه في الكيمياء لصنع الدواء أيضاً سلامٌ أيّها الإنسان...
مشكلتنا كـبشر ليست مع من يريد أن يعيش معنا الأخوّة الإنسانيّة، ليحب أحدنا الآخر ويتقبّل أحدنا الآخر، ويحترم الشرقُ الغربَ ويحترم الشمالُ الجنوب بمقدار خدمة الإنسانيّة، لا أن يلغي اتجاهٌ باقي الاتجاهات ويحاول أن ينهي وجوده ليبقى هو فقط، ويرفع شعاراً للقطب (الاتجاه) الأوحد، لينشر هيمنته على العالم كلّه بما يخدم فئته وعرقه على حساب الشعوب المستضعفة، ليغري جماعات هنا ويشتري جمعات هنالك ويخدع شعوباً بأكملها ويبهر مجتمعات برمّتها بمظاهر الإنسانيّة الخادعة، وهو يقتل في الخفاء آمالها في أن تعيش حرّة وعزيزة.
لنجد عيوناً متلألأة بتلك المظاهر والزخارف، وأفواهاً لا تزال مفتوحة انبهاراً بمكياج تلك المكائن الكاسرة، وأخرى تردّد: قيم الغرب! أخلاق الغرب! تطوّر الغرب! إنسانيّة الغرب! - يعني حيوانيّة الشعوب الأخرى!! - الانتعاش الاقتصادي في الغرب! النهضة العلميّة في الغرب! قال الغرب.. يفعل الغرب.. يتقدّم الغرب... الخ ، وهو لا يعلم أن سكّين الغرب قد اخترقت قلب طفل يحتضن القرآن في أحد مساجد فلسطين، وهو لا يرى جشع الغرب في الهيمنة على مقدّرات الشعوب في أفريقيا، وهو لا يدرك أن كثيراً من ذلك التقدّم والتطوّر كان على حساب شعوب أبيدت، وهو لا يدرك أيضاً أن الغرب الذي يظهر بأخلاقه العالية هو الذي أسّس لاستغلال المساكين والفقراء في البنوك الربويّة، وهو الذي يقتل كل قيم الحياء ويسقط المرأة في مستنقع الرذيلة ويطلق على ذلك شعاراته البرّاقة (حريّة المرأة)، هو لا يرى مكاتب بيع الأطفال والرق بجانب مكاتب حقوق الإنسان في الغرب، وهو لا يرى حانات الدعارة بجانب منظمات حقوق المرآة، هو لا يرى البنوك الربويّة ولكنّه يرى مؤسسات الضمان الاجتماعي، وهو لا يرى عمليات النصب والاحتيال التي تمارسها الشركات الكبرى ولكنّه يرى الجمعيّات الخيريّة، وهو لا يرى البناء الأسري المفكّك والمنهار ولكنّه يرى قصّة حب وهوى في فيلم أجنبي تحكي الحب الإنساني!!!
القضيّة ليست أننا نريد أن نشوّه الغرب، أو نسيء إليه، أو أن نلمّع ساحتنا أمامه، القضيّة أنّنا لا نقبل بأن ينبهر الإنسان بالشعارات والمظاهر ليكون سطحياً كما يُراد له، ليمرّر هذا الطرف وذاك ألاعيبه وخدعه في غفلة منه، والقضيّة أيضاً أنّنا نريد أن يعيش إنساننا الاعتزاز بما لديه من قيم وثوابت ومبادئ وينطلق منها ليستفيد من تجربة الغرب في الجانب الإيجابي ليطوّر نفسه ووطنه وأمّته، لا أن يعيش إنساننا الهزيمة والانكسار والعجز أمام ناطحات السحاب، بل أن يملك العزيمة والإرادة ليناطح السحاب، حتى لا يبقى شابٌ مهزوم من الداخل يضع رسماً غربياً على لباسه ليوحي بالتحضّر أو يتمثّل الشخصيّة الغربيّة في لباسها وفكرها وسلوكها، نحن نريد شباباً يثق بما يملك من مبادئ عظيمة ومنهج فكري عميق يؤسّس لمجتمع إنساني متوازن يحترم الإنسان ويسعى في رُقي البشرية...
نبجّل الطّاقات الغربيّة التي خدمت الإنسانيّة ونعتبرها رصيدا للبشريّة جمعاء، نفتخر بأنّها رصيد إنساني من إنسان غربي، ولكنّنا في نفس الوقت لا نقبل أن يصرفنا الانبهار بتلك الرموز العلميّة المحدّدة ومظاهر التقدّم المعنونة، عن واقع الصراع الذي أفرز هيمنة طرف على باقي الأطراف وأنتج مجتمعات في قمّة الهرم وأخرى مسحوقة باعتبار التوصيف "إنسان من الدرجة الثانية"، وكذلك نحن لا نقبل بأن يجرّنا الانبهار بالغرب لنبرّر له كل أخطاءه في داخل مجتمعه وخارجه، لنأخذ منه كل شيء حتى ما نجده يتعارض مع فطرة الإنسان وبناءه الروحي، لأن الإنسان ليس كتلة ماديّة فقط...
وعندما نقرأ تجربة الغرب علينا أن ننصف الحقيقة وأن نشارك في إبرازها كاملة، لكي لا يغتر البسطاء وينبهر السطحيون، ولكي نساعد في ترقية المجتمع الغربي كمجتمع إنساني في ما نعتقد أنّه مخطئ فيه، حينها فقط يحترمنا الغرب وغير الغرب، عندما يرى التزامنا بمبادئنا وتطبيقنا لمناهجنا الفكريّة العظيمة التي حملها لنا ديننا الإسلامي الحبيب ستحترمنا الأمم، الإسلام الذي أبهر الغرب بنُظمه وأحكامه حتى قال مفكّروهم ومثقّفوهم فيه ما لم يقل مسلم، وحتى التزم الكثيرون منهجه كما لم يلتزمه مسلم، جدير بأن يُقرأ من قبل المسلمين أنفسهم مرّة أخرى وأن يعيدوا تقييم واقعهم على ضوء أحكامه وتشريعاته الدقيقة والشاملة...

1 لمسات طيّبـة:

غير معرف يقول...

لم لا ننتفع مما حققه الغرب من إيجابيات لننقلها إلى مجتمعنا وننبذ ما فيه من سلبيات لنحمي مجتمعاتنا منها؟

إرسال تعليق