((بلاغ)) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ((بلاغ))

السبت، نوفمبر 13، 2010

قَوَافِلُ العُشَّاقِ

قَوَافِلُ العُشَّاقِ



على رصيف التوديع افترشت الأرض مودعا تجار الله, بيارق بيض تُلَوِّحُ للسائرين صوب محراب العشق, زغاريد تعلن فرحة الملبِّين دعوة خالقهم وفودهم إلى رياض الرحمة, دموع الصغار سالت على ابتسامة رقيقة لوَّنت ثغر الطفولة, معانقين..مصافحين وحاملين حقائب, رأيتهم في كرنفال للعاشقين.
من بين تلك الجموع, طفلة تبكي فراق أبيها, وأم تواسيها: إنه مسافر إلى الله, فهو ضيفه - يلبي دعوته - ولا يضيع الله من لبى دعوته.
ورجل كبير طاعن في السن قد هَزُلَ جَسَدُه وذَبُلَتْ عظامه, رأيته في اندفاعة الشباب يهرول بين الحشود وهو ملتفت إلى حفيده يناديه: سأدعو لك عند جدك المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وعلى مقربة شاب (علَّه في الثلاثين من العمر) يُقَبِلُ يدَ اُمِّه مودعاً, ثم يلتفت إلى زوجته يحكي لعينيها حكاية عشقهما الصغير, فتجيبه برقرقات دموع "عشقنا الأكبر يناديك فلا تتباطئ ولبي النداء" وتُصَرِّحُ قائلة: لا تنساني بالدعاء.
وإلى يسارهم عجوز تَلُفُ وجهها الثلجي – ذا القسمات المتعبة – عباءةٌ سوداء, بعينين ناعستين وشفاه مطبقة في ابتسامة صامتة تودع ثلاثة شباب تنازعوا في حمل حقائبها.
بين تلك الأعراس الوداعية... غمرتني رغبة عميقة بالبكاء, فاحترت كيف أخفي دموعي بين تلك الحشود, وخانتني قوى البأس فسالت تلكم الدموع تروي الشوق وتنشد العتاب...
فقاطع عتابي كَهْلٌ مُوَدِّع - عليه سِمَاهُ الوقار- : من تــودع؟
فأجبت - ماسحاً دليل الحرقة من على وجنتي - : أودع عاشقا ما له في مقاعد المَدْعُوِّيْن نصيب.
"لاحت على وجهه جملة استفهام ملِحَّة"
فقاطعت صمتي وأَجَبْتُ حيرته:
أودع روحي التي ترنو إلى تلك المدائن, تناشدني مسيرا بين هذي الجموع, إلى صفائح الروحاء تبغي الرحيل, تداعيني لأن أصرخ بالراحلين:

خُذُوا رُوحِـي تُظَلِلُكُمْ جَمِيعـاً *** فَهَذِي الرُّوحُ تَأْبَـى بِي قَـرَارَا
خُذُوا قَلْبِي يُحَـاكِيكُمْ بِأُنْـسٍ *** فَــذَا قَلْـبٌ يُـرَاوِدُنِي انْتِحَـارَا

وهنا خنقتني – طالبةً صمتي- جملةُ أحزانٍ أبكتني, ورفعت رأسي نحو ذلك الكهل السائل, وهو يعصي دمعه في أن يسيل, آسراً شوقه في قلب تعود أنغام الأنين.

* بُنَي! أتوصيني بشيء, فأنا في غد أنوي المسير, قافلتي يوم غد تشد الرحال نحو تلك الديار, فأنا اليوم – لفرط الشوق – مُوَدِّع وغدا إني مُوَدَّع.

_ هنيئا لك يا عم ثم هنيئا...
يا عم لا أُظْنِيكَ في سُؤْلِي ولا أبغي الكثير...
يا عم!
إذا ما لاحت لعينيك تلك القباب الخضر الشوامخ في أرض طيبة...
إذا ما رجوت الإله بحضرة ذاك الحبيب النجيب...
وآنست روحا بطيب المُنَاجى فعبق الرسالة مِنْ ذَا يفوح...
فأوصل سلامي لذاك الحاني على أمته
وخاطبه عني بأسمى التحايا وأزكى السلام
يا عم! إني ملئت بكلي عشقا وشوقا لذاك الإمام...

يا عم! أخرى
إذا ما قرأت الزيارة, فارمق بعينك أرض البقيع, لتلك المعالي التي سَقَّفَتْهَا سماء الإله, واتلوا عليهم سلامي مرارا مرارا...

يا عم! بقيت أخيرة
إن شِئْتَ قُلْتُ وإن شئتَ اكتفيتَ

*بل قل يا بني!  فشوقي لباقي الحديث يراود حسي وقلبي الغريق

_ يا عم!
إذا ما عانقت عيناك ذاك الحطيم المبارك, بين الحِجْرِ وبين الحَجَرْ...
إذا ما رأيت الحجيج تطوف ببيت عتيق عليه بهاء وهيبة ربك...
إذا ما جئت تُقَبِّلُ ذاك الحجر الزكي بذاك الركن الكريم...
فانظر لبابٍ على يمنتك, واطرق بصوت عليٍ خفيٍ على دَفَّتَيْه:

يــا, يــــــــا حبيـب الورى
يـا حجـــة الله, باقي الهدى
يا نبع عشقٍ, بقلبي جــــرى
***
طالَ وشقَّ وجارَ المغيـب
ألا يـــــــا حبيـــب
فَــهَـــــــلاَّ تـجـيب
***
طـــــــــــــــــال الصــدى...

0 لمسات طيّبـة:

إرسال تعليق